المؤلف: أحمد فرحات
النوع الأدبي: تاريخ، فلسفة
نُشر: 2023
ومع أفول شمس الحضارة اليونانية، بدا أن تلك الثورة الفكرية الهائلة التي دامت مئات السنين ستذهب أدراج الرياح، لكنْ ثبت أن الأفكار لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن لأي من كان أن يحبسها أو يقضي عليها، تطير بحرية من مكان إلى آخر لتنير العقول، وتشيِّد الحضارات. انتقلت الفلسفة اليونانية من الغرب إلى الشرق، وفي بغداد تُرجِمَتْ أعظم الأعمال الفلسفية والعلمية الإغريقية إلى العربية، وبدأ ظهور فلاسفة جدد، تأسست فلسفاتهم على تلك الأعمال، خاصة أعمال أرسطو، وظهر فلاسفة عظام بقدر "الكِندي"، و"الفارابي" مؤسس الفلسفة العربية والملقب بالمعلم الثاني، والشيخ الرئيس "ابن سينا"، وعندما توسعت الإمبراطورية الإسلامية اتجهت الفلسفة غربًا مرة أخرى وظهر في الأندلس فلاسفة عظام كالفيلسوف الشهير "ابن طفيل"، وأخيرًا كان نتاج كل تلك الرحلة الطويلة واحدًا من أعظم الفلاسفة على مر التاريخ، وهو الفيلسوف "ابن رشد"، الرجل الذي استطاع أن يكون حلقة الوصل بين الفلسفة القديمة والفلسفة الحديثة، وتصدى بنفسه لمهمة إنقاذ الفلسفة في وقت كانت قوى الظلام والرجعية تحاول أن تخمد ثورتها، وتوزع تهم الكفر والإلحاد على كل من يدرسها أو يدافع عنها، وهذا ما راح ضحيته من قبل الكثير من المفكرين أبرزهم أرسطو وهيباتيا، ولم يسلم ابن رشد نفسه من تلك الاتهامات الجائرة، لكنْ كالعادة انتصرت الأفكار وانتشرت، وكانت فلسفة ابن رشد مهدًا لعصر التنوير الأوروبي الذي بُنِيَ على مبدأ أساسي، ألا وهو حرية الفكر، وإعطاء الأولوية للعقل، وهو ما نادى به "ابن رشد" منذ البداية.